يمقدمة: يقوم تحديد نطاق تطبيق القانون من حيث الزمان بحسب الأصل على مبدأين أساسيين : المبدأ الأول : الأثر المباشر أو الفوري أو الحالي للقانون Effet imédiat ويعني أن القانون يسري على الوقائع التي تحدث من يوم نفاذه إلى يوم إلغائه.
المبدأ الثاني : عدم رجعية القوانين أو عدم سريان القوانين على الماضي أو عدم استناد القوانين إلى الماضي Principe non-rétroactivité des lois ومفاده أن القانون لا يسري على الوقائع التي تحدث قبل نفاذه.أما عدم رجعية القوانين فيقصد به أن القانون الجديد لا يسري على الوقائع التي تمت قبل أن يصير نافذا إذ أن هذه الوقائع يحكمها القانون القديم التي عرضت تحت ظلــه. وقد أدت عدة اعتبارات إلى تقرير هذا المبدأ نجملها في الآتي : 1) تحتم العدالة ألا يسري على الأفراد قانون جديد لم ينظموا سلوكهم طبقا له. 2) يترتب على سريان القانون على الماضي هدم ثقة الناس في القانون. 3)إذا كان من المبادئ الأولية أن القانون لايسري على الناس إلا بعد نشره حتى نمنحهم فرصة العلم به قبل أن يطالبوا باحترامه فكيف يسوغ أن نأخذ الآن على الأفراد عدم احترامهم لقانون صدر بعد اتيانهم العمل الذي نلومهم على عدم احترام القانون بصدده.
لكن كيف يحدث التنازع بين القوانين الاجرائية مقارنة بالقواين الموضوعية وما موقف المشرع الجزائري في حل مسألة تنازع القوانين من حيث الزمان؟.
المطلب الاول: موقف النظريات الفقهية من مسألة تنازع القوانين من حيث الزمان
ثانيا : النظريات الفقهية في تنازع القوانين من حيث الزمان : ظهرت في الفقه عدة نظريات لحل مشكلة تنازع القوانين من حيث الزمان غير أن الاختلاف كان بينا.
النظرية التقليدية : تقوم هذه النظرية التي تعتمد في حل مشكلة تنازع القوانين من حيث الزمان على مبدأ عدم رجعية القوانين وتفرق ببيان حدود تطبيق هذا المبدأ بين الحق المكتسب ومجرد الأمل.
فيمتنع امتناعا كليا تطبيق القانون الجديد على الحق المكتسب لأن تطبيقه عندئد يعني أن القانون قد طبق بآخر رجعي وهذا لا يجوز ويتوجب تطبيق القانون الجديد على مجرد الأمل لأن هذا التطبيق لا يؤدي إلى المساس بمبدأ عدم رجعية القوانين. وتدخل النظرية التقليدية بعض الاستثناءات على المعيار الذي أخذت به حيث يجوز أن يكون للقانون الجديد أثر رجعي رغم ما في ذلك من مساس بحقوق مكتسبة: 1)حالة النص الصريح على الرجعية: إذا ضمن المشرع القانون نصا صريحا يقضي بسريان الحكم الذي ورد به على الماضي فإنه يعمل بالنص حتى ولو أخل بالحق المكتسب.
2)القوانين الجنائية الأصلح للمتهم : إذا كانت الأحكام أصلح للمتهم أي الأحكام التي جاءت في القانون الجديد فهي تسري بأثر رجعي.
3)القوانين التفسيرية : إذا كان القانون الجديد تفسيرا لقانون سابق، فإنه يطبق على ماحدث قبل صدوره في القانون القديم الذي صدر تفسيرا له.
4) القوانين المتعلقة بالنظام العام أو الآداب : إذا صدر قانون يتعلق بالنظام العام أو الآداب، فإنه يسري على الماضي إذ لايصح التمسك بحق مكتسب لاسيما إذا تعلق الأمر بالنظام العام أوالآداب.
نقذ النظرية التقليدية : عيب على النظرية التقليدية أنها غامضة في أساسها مع عدم صلاحيتها، فالمعيار الذي تقوم عليه هو الحق المكتسب وهو في نظر خصومها معيار غير منضبط. وإذا قلنا إن الحق المكتسب يتضمن مصلحة يحميها القانون فمتى يكون للشخص مصلحة من هذا النوع؟ فكثيرا ما تدق المسألة فلا نستطيع أن نجزم ما إذا كان للشخص في حالة معينة حق مكتسب أو مجرد أمل.
إن النظرية التقليدية في نظر خصومها تخلط بين الأثر الرجعي للقانون الجديد وأثره المباشر، حيث كان يجب التمييز بينهما وهذا ماقامت به النظرية الحديثة.
النظرية الحديثة : قامت النظرية الحديثة على أساس التفرقة بين مبدأين مبدأ عدم رجعية القانون الجديد من جهة ومبدأ سريان القانون الجديد سريانا مباشرا من جهة أخرى.
1- عدم رجعية القانون : يقصد به أن القانون الجديد لايمس ماتم في ظل القانون القديم من المراكز القانونية التي تكونت أو انقضت, ومبدأ عدم رجعية القانون في النظرية الحديثة يفيد أن القانون لايسري على ما تم تكوينه أو انقضاؤه من المراكز القانونية قبل نفاذه ولا على ماتم من عناصر هذا التكوين أو الانقضاء إذا توافرت لهذه العناصر قيمة قانونية.
أما النظرية الحديثة فيرد فيها حالتان استثنائيتان فقط عكس النظرية التقليدية التي أوردت أربعة حالات، وهاتان الحالتان هما النص الصريح على الرجعية والقوانين المفسرة.
2- الأثر المباشر للقانون : ترى النظرية الحديثة وجوب تطبيق القوانين الجديدة فور العمل بها، وتبعا لذلك يتم التوقيف عن العمل بالقوانين القديمة.
المطلب الثاني: موقف المشرع الجزائري من مسألة تنازع القوانين من حيث الزمان في قانون الاجراءات المدنية والادارية الجديد08/09
تناول المشرع الجزائري مسألة تنازع القوانين من حيث الزمان في المادتين02 من القانون رقم 08 ـ09 المؤرخ في 18 صفر 1428 هـ و الموافق لـ : 25 فيفري 2008 المتضمن لقانون الإجراءات المدنية و الإدارية الوارد في الأحكام التمهيدية . مؤكدا فيها على مبدأ الأثر الفوري للقانون الجديد، بقولها: "تطبق أحكام هذا القانون فور سريانه، باستثناء ما يتعلق منها بالآجال التي بدأ سريانها في ظل القانون القديم".
وه نفس ما أكدته المادة 07 من القانون المدني : من القانون رقم :05 ـ 10 المؤرخ في : 20 يونيو 2005 من الكتاب الأول الأحكام العامة من الباب،الأول أثار القوانين و تطبيقها من الفصل الأول : تنازع القوانين من حيث الزمان . التي رتبت على مواعيد التقادم والانقطاع ووقفه استمرار تطبيق القانون القديم وكذلك الحال بالنسبة لمواعيد وآجال المرافعات.
ونشير هنا الى ان قواعد الاختصاص يطبق عليها الاثر الفوري للقانون الجديد، لكن لابد من التمييز بين قواعد الاختصاص النوعي الذي يعد من النظام العام وبين قواعد الاختصاص المحلي الذي لا يعد من النظام العام في الاجراءات المدنية على خلاف الاجراءات الادارية الذي اعتبره المشرع من النظام العام.
فاذا جاء القانون الجديد بقاعدة تحدد اختصاصا نوعيا غير الذي كان في القانون القديم تعين على القاضي المرفوع امامه النزاع برفض النظر في النزاع لعدم الاختصاص النوعي، أما اذا جاء القانون الجديد بقاعدة تحدد اختصاص محلي لجهة اخرى، فانه يتعين على القاضي العادي استكمال النظر في النزاع الا اذا تمسك الخصم بالدفع بعدم الاختصاص المحلي، ففي هذه الحالة ترفض الدعوى لعدم الاختصاص المحلي. وكذلك الحال اذا جاء القانون الجديد يغير في قاعدة جرائية جديدة كان تغير في تشكيلة القسم أو الغرفة بالزيادة أو النقصان أو تلزم اطراف الدعوى باجراء آخر يدخل في اطار السير الحسن للعدالة، فإن هذه القاعدة تطبق بأثر فوري ومباشر.
أما فيما يتعلق وسائل اثبات الواقعة فإنه وطبقا للمادة 08 من القانون المدني فان قاعدة الاثبات تبقى يحكمها القانون الذي اعد فيه الاثبات او كان من المفروض اعداده فيه، فمثلا لو أن القانون الجديد ألزم لإثبات عقد ايجارالعقارات ان يتم بموجب عقود رسمية مشهرة خلافا للقانون القديم الذي اكتفى باثباتها بمجب عقود عرفية أو شهادة الشهود، فإنه لا يمكن للقاضي ان يرفض الاثبات الذي يتم بموجب هذه الاثباتات، وهذا لجهل المتقاضي بما سيحدثه التشريع من تغيير في المستقبل.
أ...يتبع...