المعيار المميز للشخص المعنوي العام
الفقه والمعيار المميز للمنظمة الإدارية:
تعددت آراء الباحثين وتنوعت أفكارهم في مسالة المعيار المميز للمنظمة الإدارية أو الشخص العام، إلا أنه يمكن التمييز في هذا الإطار بين اتجاهات ثلاثة:
(1) الاتجاه الأول : ذهب فريق من الباحثين إلى الاعتماد على غرض النشاط والهدف منه، بمعنى أنه إذا كان النشاط يهدف لتحقيق مصلحة عامة ويشبع حاجة جماعية، أنعكس ذلك على المنظمة التي تمارسه، وتوصف في هذه الحالة بأنها منظمة عامة.
على أن من الملاحظ، وهو ما تعرضنا له بالتفصيل فيما سبق، أن فكرة المصلحة العامة غير منضبطة، ولا تعتمد على قواعد موضوعية ثابتة، بل هي فكرة مرنة ومتطورة، ولذلك ، فهي تختلف في نظام يسلم بتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي باعتبارها فاعلاً أصلياً، وليس بصفتها فاعلاً احتياطياً كما هو الحال في النظام الرأسمالي الصرف.
إضافة إلى ذلك، إن المصلحة العامة- كمعيار لعمومية المنظمة- ليس مانعاً من دخول أشخاص أخرى – وصفها المشرع صراحة بأنها أشخاص خاصة – في طائفة المنظمات أو الأشخاص العامة، ومثال ذلك المؤسسة الخاصة ذات النفع العام التي تمارس نشاطاً ذو نفع عام باعتراف المشرع، وإن كانت، قانوناً وفعلاً، من أشخاص القانون الخاص.
خلاصة القول أو قصارى القول إذن أن استهداف المصلحة العامة يصلح قرينة أو مؤشراً غير كاف على الطبيعة العامة للمنظمة يضاف إلى قرائن ومؤشرات أخرى.
(2) الاتجاه الثاني : وهناك من الفقهاء من يقول بأن الفيصل – في تحديد ما إذا كانت المنظمة عامة أم خاصة – يكمن في بحث علاقتها مع الدولة.
فإذا كانت هذه الدولة تهيمن عليها، كانت المنظمة عامة وإلا فلا، فمثلاً، يجب النظر إلى من أخذ المبادرة بإنشاء المنظمة، فإذا كان من أنشأها شخص عام أو سلطة إدارية، كانت المنظمة عامة، لأن الدولة هي التي تنشئ بقرار منها الأشخاص المعنوية العامة، فإذا أغفلت إضفاء صفة الشخص العام على المنظمة التي أنشأتها، فإن مجرد قيامها بذلك، أي يخلق المنظمة، يكون دليلاً كافياً على أن المنظمة هي شخص عام.
إلا أن هذا المعيار غير منضبط في التطبيق، صحيح أن مجلس الدولة الفرنسي أخذ به في بعض الأحيان كمعيار للشخص العام، غير أنه في أحوال أخرى رفض إتباع نفس المنطق.
فضلاً من ذلك، هناك المشروعات المؤممة التي اعترف لها بصفة الشخص العام مع كونها، أصلاً، من إنشاء الأفراد
ذلك أن التأميم هو عمل يتم بمقتضاه نقل ملكية مشروع من القطاع الخاص إلى القطاع العام بما يترتب عليه من تغيير في إدارته، بإحلال إدارة عامة محل الإدارة الفردية السابقة. (الخصخصة والتأميم).
فالتأميم إذن ، لا ينشئ إلا لمشروع لأن هذا المشروع موجود، ويشكل محل التأميم، ولكن أثر التأميم يكمن في تغيير طبيعة المشروع الذي كان في السابق مشروعاً خاصاً، ثم تحول بعد التأميم إلى مشروع عام.
وفي قول أخر، يجب لمعرفة ما إذا كانت المنظمة عامة أم لا، معرفة مدى تدخل الدولة في سير هذه المنظمة، فإذا بلغ هذا التدخل حداً يجعل الدولة هي التي تعين رجال الإدارة بالمنظمة، أو تكون ممثلة في هيئات إدارتها، حيث أن الطبيعة العامة للمنظمة لا تحول دون تعيين أعضاء جهازها الإداري عن طريق الانتخاب – كما هو الحال في الهيئات المحلية أي (المحافظات) – مع ممارسة رقابة معينة عليها تبلغ أقصاها حينما تكون هذه المنظمة مجردة من الشخصية المعنوية، إذ تكون رقابة الإدارة في الحالة مفترضة لا تحتاج إلى نص يقررها، وعامة تشمل جميع قرارات المنظمة إلا ما تم استثنائه بنص، ومطلقة حيث يكون لممثل الدولة إلغاء أو تعديل القرارات الصادرة عن المنظمة الإدارية، أو الحلول محلها في إصدار هذه القرارات. وحتى لو كانت المنظمة الإدارية متمتعة بالشخصية المعنوية، فإن الدولة تمارس رقابة أكيدة عليها، وإن كانت أخف في وقعها من الرقابة التي تمارسها على المنظمات غير المتمتعة بالشخصية المعنوية، حيث أن هذه الرقابة – المسماة بالوصاية الإدارية- تحتاج إلى نص يقررها وهي ليست عامة، وليست مطلقة.
ذلك أنه عندما تمارس الإدارة هذا النوع من الرقابة على المنظمة، فإنها تكون مشاركة في إدارتها فعلاً، ويكون هناك احتمال كبير أن نكون أمام منظمة عامة.
فالطبيعة الخاصة لا تتفق، والحالة هذه، مع مشاركة الدولة في إدارتها، وهي تتفق فقط مع إجراءات الضبط الإداري التي لها هدف واحد هو حماية النظام العام والآداب العامة.
ويخص بعض الفقه بالذات إجراءً معيناً حيث يرتب عليه عمومية المنظمة ألا وهو قيام السلطة العامة بالتصديق على حسابات المنظمة التي تمكن السلطة العامة من تأكيد وإظهار هيمنتها على المنظمات العامة، وهو نفس الإجراء، أي التصديق على الحسابات الذي يظهر به الشركاء المساهمون هيمنتهم على شركات المساهمة في مجال علاقات القطاع الخاص.
إلا إن هذا الرأي لا يتفق مع الواقع، حيث أن السلطة العامة – كما تصدق على حسابات المنظمات العامة – فإنها تصدق أيضاً على حسابات بعض المنظمات التي لا جدال في أنها أشخاص خاصة.
وعلى ذلك، إذا كان ما للدولة على المنظمة لا يمثل سوى مجرد الإشراف عليها والتفتيش على أعمالها، فإن ذلك لا يعدو أن يكون من إجراءات الضبط الإداري التي تمارسها الدولة في مواجهة جميع المنظمات.
إما إذا بلغ تدخل الدولة حداً جعلها تسيطر على وضع وتعديل قواعد سير المنظمة ونشاطها وتعيين أعضائها أو الموافقة على تعيينهم وحلها كانت المنظمة إدارية.
(3) الرأي الثالث : أخيراً ذهب فريق من الفقهاء إلى أن معيار عمومية المنظمة يكمن في استخدامها لأساليب السلطة العامة.
وفقاً لهذا الرأي، تكون المنظمة إدارية حينما يكون مصدر تمويلها هو ميزانية الدولة، وهو ما ينطبق على المنظمات غير المتمتعة بالشخصية المعنوية، وقد يقصد بذلك أيضاً أن الدولة تهب لمساعدتها مالياً إذا تعثر نشاطها حتى ولو كانت متمتعة بالشخصية المعنوية، وما ينتج عن ذلك من استقلالها مالياً عن الدولة.
غير أنه لوحظ على هذا المعيار عدم صلاحيته من ناحية أن الدولة قد تعين الأشخاص الخاصة وتساعدهم مالياً بهدف توجيه نشاطهم نحو مجالات ترغب الدولة في قيامهم بها، أي أن مصدر التمويل ليس كافياً لتمييز المنظمة العامة عن المنظمة الخاصة.
لذلك يرى البعض أن العبرة هي بممارسة المنظمة لأساليب القانون العام، ومثالها امتياز التنفيذ الجبري وامتياز التنفيذ المباشر وكعدم قابلية أموالها للحجز عليها أو تملكها عن طريق نزع ملكيتها للمنفعة العامة، وجواز قيام السلطة العامة بنزع الملكية الفردية لصالحها..الخ.
إلا أنه أخذ على هذا الرأي أن ثمة أشخاصاً خاصة متمتعة، مع ذلك، بامتيازات السلطة العامة، ومنها الجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
ولوحظ أيضاً أن ثمة منظمات عامة لا تتمتع بامتيازات السلطة العامة.
وفي إطار هذا الاتجاه، أيضاً، قيل بأن عمومية المنظمة تستند إلى أن انضمام الأفراد إليها له طابع إجباري.
فالدولة مثلاً منظمة إجبارية حيث أن أنتساب الأفراد إليها يتم تلقائياً بمجرد حصول الولادة داخل إقليمها أو الولادة من أبوين يحملان جنسيتها، وانتساب الأفراد إلى الوحدات الإقليمية يتم أيضاً، بصفة تلقائية، بمجرد إقامتهم داخل حدودها.
ومع ذلك، هذا المعيار غير منضبط بصفة مطلقة، حيث أن الانتساب، إلى دولة معينة، مثلاً، لا يكون إجبارياً كما هو الحال في التجنس، إذ لصاحب الشأن أن يطلب حمل هذه الجنسية في حالة توافر شروطها أو لا يطلب ذلك.
في الواقع، إن توافر أحد الدلائل السابقة – مصلحة عامة، خضوع لهيمنة الإدارة، التمتع بامتيازات السلطة العامة – في منظمة ما غير كاف بذاته لإضفاء صفة المنظمة العامة عليها، بل يجب ، على ما يبدو، توافر عدة دلائل مجتمعة بعضد أو يساند بعضها بعضاً لكي تكتسب المنظمة صفة العمومية.
ولعل هذا هو الاتجاه الذي أستقر عليه القضاء الإداري في مصر