واجب الموظف العام في التفرّغ لأداء العمل الوظيفي
التفرّغ لأداء العمل الوظيفي
تحرص القواعد المنظمة لأسلوب أداء الموظف العام مهام منصبه -أياً كان مصدرها – تحديد ساعات معينة للعمل الوظيفي، وتحديد ساعات أخرى للراحة، غير أن ذلك لا يعني – مطلقاً – حرية الموظف العام في استعمال الأوقات المخصصة لغير العمل حسبما يرغب، وكيفما يريد.
وينتج عن واجب التفرّغ للوظيفة العامة مجموعة من النتائج الهامة منها:-
أولاً : جواز تكليف الموظف بأي عمل
باستطاعة السلطة الإدارية المختصة تكليف الموظف الخاضع لها بأي عمل يدخل في اختصاصه أو – عند الضرورة- يكون خارجاً عن اختصاصه، وليس لهذا الأخير أي للموظف الامتناع عن ذلك ما دام قادراً على القيام بالعمل المكلف به، وإلا كان عرضة للعقاب التأديبي.
ثانياً : جواز تكليف الموظف بالعمل في غير أوقات العمل الرسمية
إذا اقتضت مصلحة العمل ذلك، جاز للرئيس الإداري تكليف مرءوسيه بالعمل في غير أوقات العمل الرسمية، ولا حاجة له – لتقرير ذلك – إلى الاستناد إلى نصوص صريحة، حيث أن الأصل العام – على ما سبق القول – هو أن على الموظف أن يكرّس كامل وقته لأداء عمله ، ومن يمتنع عن تنفيذ هذه التكليف يعد مرتكباً لذنب إداري يستحق عليه العقاب التأديبي.
ولقد أوضحت المحكمة الإدارية العليا – مضمون الواجب بقولها " الأصل أن يخصص الموظف وقته وجهده في الحدود المعقولة لأداء واجبات وظيفته، وأن يقوم بنفسه بالعمل المنوط به في أوقات العمل الرسمية أو الذي يكلف بأدائه ولو في غير هذه الأوقات علاوة على الوقت المعين لها متى اقتضت مصلحة العمل ذلك .. فإذا لم يؤد عملاً ما أو لم ينجز القدر من العمل المنوط به إنجازه كان مقصراً في واجبات وظيفته، وحق للرئيس إلزامه بأن يقوم بهذا العمل في غير أوقات العمل الرسمية بما لم يؤده أو ما لم يتم إنجازه من عمله الأصلي في أوقات العمل الرسمية دون أن يعتبر ذلك تكليفاً له بعمل إضافي، ودون أن يستحق عن ذلك مكافأة ما".
وإذا كانت القوانين واللوائح تجيز منح الموظف مقابلاً مالياً عن العمل الذي يؤديه في غير أوقات العمل الرسمية، فإن ذلك مقيد بقيدين :
القيد الأول : هو أن يكون حجم العمل من كبير بحيث لا يمكن إنجازه في الوقت الرسمي
القيد الثاني : هو أن يتوافر الاعتماد المالي الذي يسمح بدفع الأجر.
"فالقاعدة الأساسية التي تحكم استحقاق العامل أجراً عما جاوز أيام العمل الرسمية هو وجوب التزام حدود الاعتمادات المالية المقررة لذلك في الميزانية، فإن وجدت هذه الاعتمادات منح الأجر".
ثالثاً: عدم جواز الجمع بين الوظيفة وعمل أخر
هذا ما أشارت إليه صراحة الفقـ11ـرة من المـ77ـادة – حيث حظرت على الموظف العام " أن يجمع بين وظيفته وبين أي عمل أخر يؤديه بالذات أو بالواسطة إذا كان من شأن ذلك الإضرار بأداء واجبات الوظيفة، أو غير متفق مع مقتضياتها وذلك مع عدم الإخلال بأحكام القانون 125 لسـ1961ـنة الذي يقصر تعيين أي شخص على وظيفة واحدة".
ولعل مغزى هذا الحظر يظهر جلياً في منع الموظف العام من مباشرة الأعمال المريحة في أوقات فراغه، كمزاولة الأعمال التجارية المختلفة، لأن ممارسة هذه الأعمال تتعارض مع مبدأ التفرغ الوظيفي، إضافة إلى أنها تعرض الموظف لمخاطر غير محدودة، في حالة توقفه عن الدفع، وإشهار إفلاسه.
ويندرج تحت هذا الحظر شراء العقارات أو المنقولات التي تطرحها السلطة العامة للبيع، إذا كان لهذا النشاط صلة بأعمال وظيفته، كما لا يجوز أن تكون له مصلحة في أعمال أو مقاولات أو مناقصات ذات صلة بمهامه الوظيفية.
إضافة إلى ذلك يمتنع على الموظف الاشتراك في تأسيس الشركات أو قبول عضوية مجالس إدارتها أو أي عمل فيها إلا إذا كان مندوباً عن شخص عام أو شركة قطاع عام، وليس له أيضاً أن يستأجر أراضي أو عقارات بغية استغلالها في الدائرة التي يؤدي فيها مهام منصبه، وذلك إذا كان لهذا الاستغلال صلة بعمله.
ومع ذلك، ثمة استثناءات ترد على هذا المبدأ يجوز معها للموظف – في غير أوقات العمل الرسمية – ممارسة بعض الأعمال خارج الوظيفة، ومنها :
- السماح لبعض الموظفين، كالمهندسين والأطباء والمحاسبين وأساتذة كلية الحقوق، بممارسة أعمالهم المهنية خارج أوقات العمل الرسمية.
ويلاحظ، مع ذلك ، أن على الموظف أن ينجز عمله الأصلي أولاً، لا يجوز له – لتبرير تأخيره في القيام به- الاحتجاج بانشغاله بعمله الإضافي المسموح له بمزاولته، بغض النظر عما إذا كان هذا العمل الأخير بأجر أو بغير أجر.
- وللسلطة الإدارية المختصة – متمثلة في الوزير أو في رئيس إداري أخر – الترخيص للموظف العام بالعمل بعض الوقت لدى الغير، شريطة أن يكون هذا العمل خارج أوقات العمل الرسمية.
- للموظف القيام بأعمال القرابة أو الوصاية، إذا كانت تربطه بالمشمول بأي منها صلة قرابة أو نسب حتى الدرجة الرابعة، كما أن له الوكالة عن الغائب الذي تربطه به صلة قرابة أو نسب حتى ذات الدرجة أي لدرجة الرابعة.
أيضاً، للموظف تولي أعمال الحراسة على الأموال التي يكون شريكاً فيها أو صاحب مصلحة فيها، أو مملوكة لمن تربطه به صلة نسب أو قرابة حتى الدرجة الرابعة، شريطة إخطار السلطة الرئاسية التابع لها