[right]السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أشكر المشترك على طرحه لهذا السؤال
إن الإجابة على هذا السؤال تقتضي أولا القيام بتعريف المقصود بالإنسان كموضوع للحق والحرية ثم تعريف كل من المصطلحين وإبراز الفرق بينهما بعد ذلك:
من هو الإنسان؟ أصل كلمة إنسان من الإنس مقابل الجن، ويقول البعض أن تسمية إنسان تعود لتاريخ كون الإنسان عُهِد إليه ونسيَ. وكلمة إنسان تشمل الذكر والأنثى.
ودراسة الإنسان كانت وفقا لمنظورين أولهما ديني وهو المسيطر والمهيمن، ووفقا للتصور الديني فان الإنسان مخلوق من الله بصفة مباشرة، وهو مخلوق من طين (جانب مادي) وبجانبه جانب آخر (روحي) هو وجود الله وهو ما أقرته كل الديانات السماوية، فالله عند خلقه للإنسان كرّمه بالعقل والتمييز، يقول الله تعالى" ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير من خلقنا تفضيلا".وقال أيضا:" لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"، هذا التكريم يشمل التمييز والنطق والصورة الحسنة والقامة المعتدلة. وهذا التكريم جعل الله يأمر الملائكة بالسجود للإنسان إذ أن الإنسان صانع للحضارة وهو مستخلف في الأرض لتعميرها، وقد كلّفه الله وفرض عليه سلوكيات معينة تحت رقابته. وهذا السلوك وفق النظرية الدينية يتلقى عليه الإنسان الجزاء (إما عقاب أو ثواب). وكل الديانات تقول أن حياة الإنسان مرحلة من عمره تمتد الى حياة أخرى هي الآخرة. ووفقا للتصور الديني الإسلامي فإن البشر متساوون أمام الله باختلاف أجناسهم ولغاتهم وألوانهم ولا فرق بينهم إلا بالتقوى.
أما التصور أو المنظور العلمي الذي تبلور بشكل واضح في القرن التاسع عشر حول نظرية النشوء والاتقاء (لداروين) فيرى أن هناك تطور مسّ الإنسان من الناحية البيولوجية والعاطفية والعقلية والاجتماعية والخلقية، إذ أصبح الإنسان في المرتبة العليا بالمقارنة مع عالم الحيوان، رواد هذه النظرية يقولون أنه من حيث التركيب الفيزيولوجي الإنسان حيوان وما يميّزه عن الحيوان هو القشرة النخاعية( مخ الإنسان يزن 1.200كلغ يتضمن حوالي 200 مليار خلية وهو شديد التعقيد ) ساعد هذا التعقيد على ظهور العقل وهو ما يميز الإنسان عن الحيوان الذي يعيش بواقع ويتصرف من منطلق الغريزة التي تحكم سلوكه ويستعمل عقله . هذه النظرية لا تنكر الدور الاجتماعي إذ أن الإنسان مخ معقد نعم ولكن إذا أخذنا فرد وقمنا بعزله في غابة خارج الجماعة نجد انه يميل الى الحيوان، فالتطور هو الذي فصل الإنسان عن الحيوان إذ توجد حلقة مفقودة بين عالم الحيوان وعالم الإنسان وقد بقي هذا السؤال مطروحا.
وإذا أردنا معرفة مفهوم الإنسان في المرجعية الأوروبية نجد أنهم ينظرون إليه على أساس إعادة الاعتبار للفرد بتحريره من وزر الخطيئة الأصلية (التي وقع فيها آدم وحواء) وينظرون إليه أيضا على انه يتكون من جسد وروح ولا يوجد انفصال بينهما، فقد نظر الفكر الأوروبي الى الإنسان وعمِل على تحرير الفرد من سلطة الكنيسة ومن الناحية المادية تحرير جسد الإنسان من سلطة الأمير أو الإقطاعي لهذا فأول حقوق الإنسان التي ظهرت في المرجعية الأوروبية هي حق الإنسان في جسده(حق ملكية الجسد والتمتع به ) انطلاقا من ذلك ينظر الفكر الأوروبي للإنسان أنه ليس إنسانا مدنّس أو مخطئ بل ينظر إليه على أساس أنه قيمة عليا يجب أن تخدمها كل القيم الدنيا وأن كل النشاطات يجب أن توجه لتنمية الإنسان عقليا وفكريا وكل عمل يجب أن ينصب لهذا الغرض.
تعريف الحق:
(دون الخوض في ما تمت دراسته في مقياس المدخل للعلوم القانونية حول نظرية الحق) يمكن القول أن الحق بصفة عامة هو جملة من المعايير تهدف الى تنظيم العلاقات بين البشر حفاظا على مصالحهم. وقد عرّف البعض كلمة الحق على أنها مصلحة مادية أو أدبية يحميها القانون وعرفه البعض على انه سلطة إدارية تثبت للشخص وتخوّله القيام بعمل معين أو الامتناع عن القيام به.
وكلا التعريفين منتقد والتعريف الأقرب للصواب هو أن الحق سلطة قانونية يقررها القانون لشخص يستطيع بمقتضاها إجراء عمل معين أو أن يلتزم آخر بأدائه له تحقيقا لمصلحة مشروعة، والبعض الآخر يربط مفاهيم الحقوق بحسب تطور المجتمعات والأزمنة، لهذا يفرقون بين ما يسمى بالحق الموضوعي والحق الطبيعي. فالمقصود بالحقوق الموضوعية "تلك التي تمليها السلطة السياسية العليا أو السلطة ذات سيادة في المجتمع. أما المقصود بالحق الطبيعي فهو تلك التي ترتبط بالطبيعة الإنسانية المجردة والحقوق التي اكتشفها الإنسان وطوّرها هي نتيجة لتطور ثقافته في مجتمعه. وهذه الحقوق لا يمكن إعطاءها مضمونا إلا باحتكاكها بالحقوق الأخرى.
إن وجود إنسان له حقوق وحريات من جهة وهذا الإنسان غير منعزل عن الجماعة وتصطدم حقوقه وحرياته بالمصلحة العامة وحقوق الغير من جهة أخرى تتجسّد هذه المصلحة العامة بالسلطة العمومية التي تعد فكرة معبرة عن مصلحة الجماعة التي تحمي رمن الاعتداءات الفردية عن طريق تدخل السلطة التي تعد ضرورة اجتماعية فحق الفرد يقابله حق الجماعة . وينكر البعض إخراج الحقوق الإنسان عن نطاق النظرية العامة للحقوق التي تتصل بالحقوق المالية إلاّ أن البعض ردّ عليهم بأن الحقوق مقسمة الى حقوق عينية وحقوق شخصية.
تعريف الحرية: إذا ارتبطت أو ربطت الحرية في إطار معيّن بعد ذلك تقييد لها. وهذا ينتفي مع مفهوم الحرية لكن بالرغم من ذلك يمكن إعطاء التعاريف التالية:
عرّفت الحرية في إعلان حقوق الإنسان 1789 على أنها "القدرة على كل ما لا يضر الغير" وعرّفها بعض الفقهاء أنها حالة الإنسان الذي لا ينتمي الى أي سيد أي لا يخضع لسلطة شخص آخر بمفهوم العبودية .لكن في الواقع نجد عكس ذلك فالعامل مثلا يخضع لرب العمل. كما عرّفها البعض على أنها سلطة وإمكانية السيطرة على الذات بموجبها يختار الإنسان بنفسه تصرفاته الشخصية ويمارس نشاطاته دون عوائق أو إكراه. وينطلق هذا التعريف من حرية الاختيار، وهذه التعريفات مرتبطة بالإشكالية المطروحة والمتمثلة في العلاقة بين السلطة والحرية.
تعريف حقوق الإنسان:
من الصعب إيجاد تعريف جامع وشامل للمصطلحين، وقد عرّفها (كاسان) الذي أنشأ المعهد الدولي لحقوق الإنسان بستراسبورغ) أنها فرع من فروع الحروب العلوم الاجتماعية يختص بدراسة العلاقات بين الأفراد استنادا الى كرامة الإنسان بتحديد الرخص الضرورية لازدهار أو تفتح شخصية كل كائن إنساني يعطيها صفة العلمية (أي علم قائم بذاته يختص بدراسة كل ما يوفر كرامة الإنسان).
أما تعريف الحريات العامة فقد عرّفها البعض أنها مجموعة الحقوق والإمكانات المعطاة للفرد وهي حريات تظهر بصفة الجمع وهي عامة لأنها تفترض تدخل السلطة العامة دلالةً على دور الدولة في الإقرار والاعتراف بحريات وحقوق للأفراد وتنظيمها وضمانها بموجب قواعد قانونية.
إذن مفهوم حقوق الإنسان هو دراسة العلاقات التي تخدم هذه الحقوق ، أما الحريات فهي التي تحددها الدولة بموجب نصوص قانونية وتحميها بموجب هذه النصوص القانونية، فالعلاقة بين الحريات العامة والدولة وطيدة إذ يمكن التحدث عن الحريات العامة إلاّ في إطار نظام قانوني محدد، وهذا ما يميّز الحريات العامة عن حقوق الإنسان، فهذه الأخيرة هي مجموعة حقوق طبيعية يمتلكها الإنسان وهي لصيقة به وهي تظل موجودة حتى إذا لم يتم الاعتراف بها، أما الحريات العامة فهي تنتمي الى القانون الوضعي.
هذا من حيث الموقع القانوني لكل من المفهومين، أما من حيث المضمون وحسب البعض فإنهما مختلفان، فالحرية العامة تتضمن مجموعة محددة من الحريات التي تضمها واعتراف القانون بها وتضمينها في نصوصه. أما مفهوم حقوق الإنسان فهو يتعدى هذا الإطار الضيق ليلامس كل ما تحتاجه الطبيعة الإنسانية أو البشرية كضمان الحد الأدنى من الأمن المادي وحد أدنى من الحماية الصحية والتعليم والثقافة... وهو مفهوم قابل للتطور والتوسع حسب الجنس البشري.
كما أن الاختلاف بين المفهومين حسب البعض يمتد الى ما يرتبانه على عاتق السلطة، فبينما تعتبر الحريات العامة بمثابة إمكانية اختيار مرتبطة بالإنسان الفرد، إذ يمكن أن يستفيد منها بمعزل عن السلطة ، فهي متعلقة بالشخص ذاته بإمكانه ممارستها دون الاستناد على سلطة الدولة. بينما حقوق الإنسان لا يمكن تأمينها والاستفادة منها إلاّ عن طريق السلطة وما تنشئه من مرافق عامة كالضمان الاجتماعي، المؤسسات الصحية والتعليمية والثقافية...
غير أن هناك من يقول أن هذا التمييز تقني فالحريات العامة حسب البعض كمصطلح يستعمل داخل الدولة على مجموع الإمكانيات التي يتمتع بها الفرد أو المواطن سواء كانت حقوق أو حريات. بينما يحتفظ بتعبير حقوق الإنسان للدالة على اهتمام المجتمع الدولي في إطار هذا الموضوع .
والله أعلم