الدستور هو الوثيقة المرجعية لشرعية كل قوانين الجمهورية وكل قانون يخالف المبادئ التي جاء بها الدستور يصبح قابلا للإلغاء
من قبل المجلس الدستوري، وتعد أيضا المعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجزائر، فوق القانون، بنص الدستور .
واحترام الدستور هو احترام لمنطق قانوني يسير عليه المجتمع، ضمن مبادئ واضحة اتفق عليها الجميع تجنبا للفوضى جاء بها
الدستور ، فمن ذلك الباب يعرف كل موقعه ومسؤوليته كمواطن، إننا لا يمكن أن نبني دولة القانون إلا باحترام الدستور، ولا يمكن
أن تكون لنا مكانة محترمة في المجتمع الدولي إلا باحترام المعاهدات والمواثيق
التي تصادق عليها السلطة الشرعية باسم الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. ولا سيما تلك المتعلقة بالحقوق السياسية
والاجتماعية وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
وعليه فإن خطورة عدم دستورية التعديلات التي وردت على القانون 01-14 المتعلق بتنظيم حركة المرور عبر الطرق وسلامتها
وأمنها, تكمن في أنها في حالة تماس مع كل الجزائريين يوميا، وبالتالي وفي حال عدم دستورية مادة من هذا القانون فإن الدستور
سوف يخرق يوميا، ولا يتوقف الأمر على فئة دون فئة .
ويتعلق الأمر هنا بشكل أساسي بالمادة 112 وذلك لما أدخل في التعديل الجديد ما يسمى بالسحب الفوري لرخصة السياقة وتعطيلها
لمدة لا تتجاوز 15 يوما .
وكذلك المادة 71 من القانون 01-14 قبل التعديل والتي تنص على مسؤولية السائق جزائيا عند عدم وضع الراكب في المقعد
الأمامي حزام الأمن، أي أن على السائق مسؤولية إجبار هذا الشخص على وضع الحزام ولو بالقوة؟!! وإلا تحمل مكانه المسؤولية
الجزائية في جريمة الامتناع عن وضع حزام الأمن .
المادة 112 خرق لمبدأ البراءة واختصاص القاضي بإصدار الأحكام
إن إجراء السحب الفوري لرخصة السياقة يعد عقوبة، ما دام السائق يفقد القدرة على السياقة في تلك الفترة حسب ما تنص عليه
الفقرة الثانية من نفس المادة .
وإذ إننا لا ننكر حق أعوان الأمن في معاينة الجريمة، وإثبات الخالفة بكل الوسائل المتاحة قانونا، ولكن إذا تعدى الأمر إلى توقيع
العقوبة فإن هذا يصير منافيا أول الأمر للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته 11 إذ أن كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً
إلى أن تثبت إدانته قانوناً ولا يكون ذلك إلا عن طريق محاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه. وكذلك ينص
دستور 1996 في المادة 45: " كل شخص يعتبر بريئا حتى تثبت جهة قضائية نظامية إدانته، مع كل الضمانات التي يتطلبها القانون ".
وما دام القانون قد بين الجهات القضائية النظامية ولم يذكر من بينها أعوان الأمن العمومي أو المديرية العامة للأمن الوطني ولا
الدرك الوطني، فإن هذه المادة قد أهلت عون الأمن للحلول محل القاضي، إذ أنه وبعد معاينته للمخالفة يحكم بإدانة المتهم ويوقع
العقوبة عليه، بالسحب الفوري لرخصة السياقة وإبطال مفعولها وبالتالي يكون مخالفا بكل وضوح للمادة 146 من الدستور أيضا
التي تجعل إصدار الأحكام من اختصاص القاضي فقط: "يختص القضاة بإصدار الأحكام ".
ومقابل هذه الخروق فإننا نلاحظ أن الفقرة الثالثة والرابعة من نفس المادة قد حافظت على تماشيها والنص الدستوري فجعلت
السحب الفوري لا يبطل مفعول الرخصة فلا يتجاوز سحب الوثيقة، دون إبطال مفعولها أوتجريد صاحبها من الحق في السياقة،
ثم تتخذ إجراءات تحويل ملف المعني على لجنة تعطيل رخصة السياقة، التي خولها القانون النظر في القضية. ووضع هذه اللجنة
إزاء الدستور سنحاول توضيحه في موضوع منفصل .
ولا بد أن نبين في هذا المقام كيف أن تحرير الغرامة الجزافية ليس إدانة للسائق المشتبه به، ولكنه مجرد معاينة للمخالفة وكذلك
فإن تحديد المبلغ الواجب دفعه ليس سوى اقتراح للتسديد على وجه الاختيار، كصلح بين الطرفين، فإذا قبل به السائق وسدده
اعتبر دليلا على اعترافه بالمخالفة، ومن ثم تثبت إدانته وتنقضي الدعوى العمومية طبقا للقانون أيضا. وإن رفض التسديد يفترض،
بموجبه، أن المخالف قد رفض أن ينسب الفعل إليه أو أنه ينفي مسؤوليته في ذلك. ومن ثم، وحسب المادة 118 من القانون 01-14،
ستحال القضية بمحضر إلى الجهة القضائية المختصة، بعد انتهاء الآجال القانونية المحددة لذلك. وقد سار المشرع على هذا النحو
في كل قوانين المرور المتعاقبة حتى وإن اختلفت تسمية الغرامة. وما دامت المادة 118 من القانون 01-14 لم توضح الإجراءات
المتبعة وآثار ذلك فإننا نرجع إلى قانون الإجراءات الجزائية ولا سيما المادة 392 منه التي تنص على أنه :
" ,,,. وإذا لم يجر التسديد في المهلة المنصوص عليها في الفقرة الثانية أعلاه، يحال محضر المخالفة على وكيل الجمهورية الذي
يرفعه بدوره إلى القاضي مشفوعا بطلباته ".
إذن فالمخالف غير ملزم بدفع مبلغ الغرامة، إذ جعلت لوكيل الجمهورية اختصاص ٍإحالتها على القضاء، للحكم فيها طبقا للقانون .
وهذه الإجراءات مطابقة للنصوص الدستورية التي تعطي الضمانات الكافية للمشتبه فيه، باعتباره بريئا، لكي يتخذ جميع الإجراءات
الكفيلة بممارسة حقه في الدفاع وفي اللجوء إلى القضاء .
المادة 112 قبل التعديل مدى دستوريتها بين النص والتطبيق :
إن المادة 112 من القانون 01-14 قبل التعديل قد نصت على السحب الفوري ولكنها لم تتضمن آثارا عقابية كتعطيل مفعول رخصة
السياقة، وهذا في رأينا كان إجراءا سليما وغير مخالف للنصوص الدستورية، إلا أن رجال الشرطة صاروا يسحبون رخصة
السياقة مطالبين السائق بدفع الغرامة الجزافية، مقابل استرداد الوثيقة، ونتمنى أن يكون قد أوقف العمل بهذا الإجراء في المخالفات
التي لا تستوجب السحب الفوري لرخصة السياقة، لأنه في رأينا يعد مخالفا لقانون الإجراءات الجزائية ولا سيما المادة 392 منه
والخاصة بتسديد غرامة الصلح، وللمادة 118 من القانون 01-14. وهو من جانب آخر يحد من حرية المواطن في اللجوء إلى
القضاء خلافا لما تنص عليه المادة 146 من الدستور، ويعد اعتداء على صلاحيات السلطة القضائية التي تختص وحدها بإصدار
الأحكام، إذ أنه على هذا النحو إكراه للمتهم للاعتراف بالجريمة، وإجباره على التنازل عن حقه في اللجوء إلى القضاء كجهة
نظامية محايدة .
إن توقيف هذا الإجراء سوف يغلق بالتأكيد احتمال فتح باب لحالات من التعسف، حتى وإن كانت بشكل فردي ومعزول، قد لا يمكن
السيطرة عليها .
المادة 71 من القانون 01-14 الآثار القانونية والأخلاقية حاضرا ومستقبلا