المحكمة الجنائية الدولية
في عام 1975 اتخذت الجمعية العامة للامم المتحدة واحدا من اكثر قراراتها جراه وهو قرار ادانة الصهيونية باعتبارها حركة عنصرية. لقد كان القرار وثيقة ادانة تاريخية وسياسية وايديولوجية للصهيونية توصل اليها المجتمع الدولي نعد 78 عاما من مؤتمر بازل الذي اعلن عن تأسيس الحركة الصهيونية العالمية، الا ان لم يتضمن انشاء الية دولية لمعاقبة الحركة الصهيونية وقادتها ومجابهة عنصريتها وعدوانيتها.
ولو نظرنا إلى هذا القرار بعد ثلاثة وعشرين عاما من صدوره من منظور الاحداث التاريخية و المواقف و الاجراءات الدولية التي استهدفت وضع حد لارتكاب الجرائم السياسية الدولية وعاقبة مرتكبيها لوجدناه يقع في صميم مكونات مرحلة ..الدولية التي سبقت........ عنه مؤتمر روما. واذا كانت الدول العربية قد غضت الطرف عن الجهود الامريكية-الاسرائيلية التي اوصلت الامم المتحدة إلى التنكر لقرار ادانة الصهيونية باعتبارها حركة عنصرية عام 1994 فان الجانب الرسمي الفلسطيني غض الطرف بدوره عن هذه الجهود حين كان لا يزال مفعما بروح الصفقة و المساومة التي تمت في ظلام اوسلو فتم بذلك التضحية بانجاز دولي كبير عاضد الحقوق الفلسطينية ولم يكن سهل المنال.
وبعد نصف قرن من بدء محاكمة مجرمي الحرب في المانيا و اليابان فقد قرر المجتمع الدولي من خلال وزراءه المفوضون المجتمعين في مؤتمر روما(15 حزيران/يونيو- 17 تموز/يوليو1998) انشاء محكمة دولية جنائية دائمة لمحاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي جرائم ضد الانسانية ووضعوا نظاما اساسيا لها وعقدوا اتفاقية بشأنها.
وفي مدونة الجرائم الدولية التي وضعتها دول مؤتمر روما نجد معظم الجرائم الرئيسية التي ارتكبها قادة الحركة الصهيونية ودولة اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. الا ان الاهم هو انشاء الية دولية دائمة لاول مرة في التاريخ و التي تتمثل في المحكمة الجنائية الدولية لمحكمة مرتكبي هذه الجرائم بما فيهم الاسرائيليين وهذا ما افتقدنا اليه في كل القرارات الدولية التي ادانت الجرائم الاسرائيلية وما انتظره المجتمع الدولي وما انفك يسعى لتحقيقه منذ الحرب العالمية الثانية.
ومن جهة اخرى لابد من الاعتراف بان النظام الاساسي للمحكمة الذي اعتمده المجتمع الدولي يمثل قاسما مشتركا بين الاطراف الدولية ولا يلبي مطالب ورؤية كل منها بالمطلق ولذا فقد انطوى النظام على بعض الثغرات و النواقص وفي مقدمتها المادتين (11،24 ) اللتان تنصان على عدم سريان مفعول النظام الاساسي للمحكمة بأثر رجعي اي ان الجرائم التي ارتكبت قبل سريان مفعول هذا النظام لا تخضع للسلطة القضائية للمحكمة لكن هذا النص لا يعني بقاء الجرائم الاسرائيلية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 دون عقاب او خارج اطار السلطة القضائية للمحكمة وذلك للاسباب التالية:-
اولا- ان للاجتهاد و الفقه دور رئيسي في تفسير النصوص و القوانين وفي مجمل العملية القضائية انتهاء باصدار الاحكام وهو امر في هذه الحالة منوط بمدى كفاءة اطراف العملية القضائية وبشكل خاص المحامي، المدعي العام المستقل، الخبير القانوني، المدعي، الشاهد..الخ وفي هذا السياق ينبغي التنويه بطابع الديمومة و الاستمرارية للجرائم الاسرائيلية المرتكبة منذ عام 1948 فهي جرائم مازالت قائمة و مستمرة واثارها باقية ومجسدة ماديا وضحاياها مازالوا احياء ويعانون من ارتكاب هذه الجرائم عنهم.
ثانياً- وفوق كل ذلك، فان ارتكاب الجرائم و الانتهاكات الخطرة و الجسيمة مازال عملا يوميا يتجلى في كل اشكال تعاملها مع الشعب الفلسطيني ويستند إلى عقيدة توسعية احتلالية وثقافة عنصرية وتعصب ديني الامر الذي تجعل من الجرائم الاسرائيلية جرائم موصولة. بالوقائع التاريخية و الآثار المادية، وتستمر ارتكاب هذه الجرائم بالرغم من وجود اتفاق سلام اسرائيلي-فلسطيني منذ خمس سنوات.
ثالثا- لقد انشا مؤتمر روما هيئة دائمة من الدول المشاركة فيه والموقعة على اتفاقية انشاء المحكمة الجنائية الدولية اسمها جمعية الدول الاطراف ومن بين وظائفها النظر في تعديل النظام الاساسي للمحكمة ويستطيع المندوبون المثابرون للدول العربية وبتأثير من الرأي العام.. اقتراح تعديل لهذه المادة وحشد التأييد لها من قبل الدول الاعضاء. اما فض المنازعات المتعلقة بتفسير او تطبيق نصوص النظام فيتم بقرار من المحكمة ذاتها او بناء على توصية من جمعية الدول الاعضاء.
ولكن كيف وصل المجتمع الدولي إلى قرار اتفاقية روما بشأن انشاء المحكمة الجنائية الدولية، وكيف اتحدت امم الارض في محاكمة مرتكبي الجرائم ضد الابرياء.
كانت البداية قبل خمسين عاما حين اصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة قرارها رقم 260 في 9 كانون الاول/ديسمبر 1948 و الذي تضمن نص ""اتفاقية منع جريمة الابادة ومعاقبة مرتكبيها""، ففي هذا القرار طلبت الجمعية العامة من لجنة القانون الدولي التابعة لها ودراسة امكانية انشاء جهاز قضائي دولي لمحاكمة الاشخاص المتهمين بارتكاب جرائم الابادة.
وبعد ان اقرت لجنة القانون الدولي بان انشاء مثل هذا الجهاز امر ممكن ومرغوب فيه شكلت الامم المتحدة لجنة لتقديم اقتراحاتها بهذا الشأن وفي عام 1951 اعدت اللجنة مشروعا للنظام الاساسي للمحكمة. وفي عام 1953 قدمت مشروعا..، الا ان الجمعية العامة ارتأت تأجيل النظر في هذا المشروع بانتظار اعتماد تعريف عالمي للعدوان وهو الامر الذي تم انجازه في دورة الجمعية العامة لعام 1974، غير ان انشاء المحكمة ظل موضوعا ثابتا على جدول اعمال المجتمع الدولي و استمر النظر فيه دوريا.
وفي كانون الاول/ديسمبر 1989 واستجابة لطلب من دولة ترينيداد و توباغو طلبت الجمعية العامة من لجنة القانون الدولي استئناف عملها بشأن انشاء محكمة جنائية دولية.....
.