الــقـسـم الأول: الـنظريــة العـامة للـقانـون
الفــــصل الأول: خـصائـص و أهـداف القـاعـدة القـانـونية
المبحث الأول: خصائص القاعدة القانونية
في تعريف القانون تبين لنا بأن القواعد القانونية تنظم العلاقات التي قد تكون بين فرد وآخر وقد تكون بين الدولة والأفراد وهذا في مجال من مجالات الحيات الاجتماعية أي تنظيم نشاط معين لجماعة أو لفرد كما أنها تنظم سلوك الأشخاص في حياتهم اليومية.
ونستخلص من هذا أن القاعدة القانونية هي قاعدة للسلوك الاجتماعي والتي تضمن السلطة العمومية احترامها وتنفيذها من جميع المخاطبين بها حيث هذا الالتزام يتجسد في الجزاء الذي يحدده القانون لمن يمتنع عن تنفيذ تلك القاعدة أو يخالفها وهذا الإلزام هو العنصر الذي يميز القاعدة القانونية عن غيرها من القواعد(الأخلاقية ـ تهذيبية ـ الشرف ). وبما أن القاعدة القانونية لا تخاطب شخصا محددا بذاته فهي عامة ومجردة ، وبما أنها معمولا بها مدى حياتها وكل ما توفرت شروطها فهي دائمة.
المطلب الأول : القاعدة القانونية عامة و مجردة.
تعتبر القاعدة القانونية الخلية الأساسية في القانون وما هي إلا خطاب صاغه المشرع بتعابير مجردة، حيث أنها لا تخص شخصا معينا أو طائفة محددة بذاتهما، بل يجب أن تكون قابلة للتطبيق على كل من تتوفر فيه شروط تطبيقها أي أن تكون مطردة التطبيق في كل وقت على كل شخص مستوف لشروطها. وعمومية القاعدة القانونية هي ضمانُُ ضد كل تمييز بين الأشخاص.
مثلا: تنص المادة 350من قانون العقوبات على أن '' كل من اختلس شيئا غير مملوك له يعد سارقا ويعاقب '' و عبارة '' كل من '' يقصد بها '' أي شخص '' أو '' أي كان هذا الشخص ''. إذا فأي شخص قام باختلاس شيء مملوك للغير، أي أنه قد قام بتحويل شيء من حيازة الحائز الشرعي له إلى حيازته، ( أي الجاني ) يعد سارقا و تسلط عليه العقوبة المقررة لهذا الفعل ( السرقة )، إذا أصحبه عدم رضى الضحية.
فالقاعدة القانونية وضعت دون التنبؤ بمن سيكون هذا السارق، ولكن حددت شروط السرقة وعندما تتوفر هذه الشروط في فعل فيعد مرتكبه سارقا و يعاقب.
و بعبارة أخرى فالقاعدة القانونية وضعت مجردة من تحديد شخص بذاته أي دون التبوء مسبقا بمن تنطبق عليه.
المطلب الثاني : القاعدة القانونية ملزمة.
الإلزام يعني أن القاعدة القانونية واجبة الاحترام والتنفيذ من جميع المخاطبين بها. فهي قد تفرض الالتزامات متعددة وعلى المعنيين بالأمر بتنفيذها إذا كانت القاعدة القانونية آمرة. ولكن إذا كانت القاعدة القانونية مكملة فيحوز للأشخاص الاتفاق على عكس ما قررته.
إذا، فالقاعدة القانونية الآمرة فهي ملزمة ووجه الإلزام هنا يتجسد في الجزاء الذي يحدده القانون لمن يمتنع عن تنفيذ تلك القاعدة أو يخالفها. والمقصود بالجزاء هو العقاب أو الإجبار على الالتزام والاحترام عن طريق استعمال القوة العمومية ( درك الوطني وشرطة ) والعدالة.
والإلزام هو ما يميز القاعدة القانونية عن قواعد الأخلاق والدين، وتبرز خاصية الإلزام في الجزاء الذي يوقع على من يخالف تلك القاعدة القانونية، والجزاءات القانونية متعددة وأهمها، هي:
أولا: الجزاء الجنائي : هو العقوبات وتدبير الأمن.
أما العقوبات الجنائية التي تلحق بمرتكبي الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات هي: الإعدام، والسجن المؤبد، السجن المؤقت، الحبس والغرامة.
أما تدبيرا لأمن الشخصية فمثل المنع من ممارسة مهنة أو نشاط أو فن، وتدبير الأمن العينية مثل مصادرة الأموال وإغلاق المؤسسات.
ثانيا : الجزاءات المدنية : وهي البطلان أي إبطال التصرف المخالف للقواعد الملزمة
)أو العقد )، والتعويض على الضرر ( مادي ـ جسدي ـ معنوي.(
ثالثا : الجزاءات الإدارية : التي تتمثل في إلغاء القرارات الإدارية التي يشوبها عيب قانوني، وتوقيع الإجراءات التأديبية على الموظفين الذين يخالفون القواعد القانونية، والمنع من ممارسة مهنة أو نشاط، وإغلاق المحلات التجارية ...
المطلب الثالث : استمرار القاعدة القانونية.
للقاعدة القانونية بداية ( نشرها رسميا في الجريدة الرسمية ) ونهاية ( إلغائها رسميا عن طريق الجريدة الرسمية ) ولا يمكن أن تبقى سارية المفعول إلى الأبد. وما يقصد باستمرار القاعدة القانونية هو تطبيقها المستمر أثناء وجودها كلما توفرت شروط تطبيقها.
مثلا: قواعد قانون المرور تطبيقها يومي،أما قواعد قانون انتخاب رئيس الجمهورية لا يكون إلا كل خمسة سنوات
في الحالة العادية.
المبحث الثاني : التمييز بين القواعد القانونية وغيرها.
لقد تكلمنا في البدايات عن أهداف القواعد القانونية، لكن توجد قواعد أخرى تتعلق أيضا بالسلوك الاجتماعي وتشتبه بقواعد القانون مثل قواعد الدين وقواعد المجاملات وقواعد الأخلاق.
المطلب الأول : قــواعــد الدين.
في الديانات السماوية يرتبط الإنسان المؤمن بربه بعلاقات روحية وينتظم الدين عادة في قواعد من نوعين : الأولى قواعد العبادات والثانية قواعد المعاملات.
أولا : قــواعد العبادات.
تتعلق بعلاقات الفرد نفسه بخالقه مباشرة وتتمثل في الشهادة، والصلات، والزكاة، والحج والصوم. وهذا النوع من القواعد لا تتدخل فيه قواعد القانون عن قرب وإن كانت تلمسه عن بعد، ومثل ذلك ما ينص عليه الدستور بقوله: '' الإسلام دين الدولة ''.و'' لا مساس بحرية المعتقد ولا بحرية الرأي '' ، وغير ذلك من نصوص قانون العقوبات التي تحمي إقامة الشعائر الدينية.
ونستخلص من ذلك أن هذا النوع من قواعد العبادات يعتبر مجالا شخصيا للفرد بينه وبين خالقه ولا دخل للقانون فيه، إلا بقدر ضئيل لتقريره أو لحماية الحرية الدينية للأفراد. ولكن لا شك أن هذه القواعد الدينية تعتبر قواعد سماوية ملزمة ويترتب على مخالفتها جزاء إلا هي ينفد في الآخرة بعد الممات.
ثــانيا : قــواعـد المعاملات
وهي تتعلق بعلاقة الفرد بغيره من الأفراد، وتختلف الديانات السماوية في هذا الشأن أي في احتوائها على تلك القواعد في الدين الإسلامي قد عنى بقواعد العبادات وقواعد المعاملات معا وأهتم بالعلاقات ذات الصبغة المالية كالبيع والإيجار والرهن وغير ذلك، فنظم أمور الدين والدنيا معا.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل تتطابق قواعد القانون والقواعد الدينية في تنظيم المعاملات ؟
في الواقع فإن المشرع عادة يضع تلك القواعد الدينية في اعتباره، ويطبقها بقدر الإمكان، والدليل على ذلك هو أن المشرع نص في المادة الأولى من القانون المدني على ما يأتي: '' وإذا لم يوجد نص تشريعي، حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية '' وهو الشأن بخصوص قانون الأسرة ( الزواج ـ الطلاق ـ النيابة الشرعية ـ الكفالة ـ الميراث ـ الوصية ـ الهبة ـ الوقف ...).
ولكن مجال المعاملات القانونية في عهدنا، مع تشعب نواحي النشاط الاجتماعي، يتسع كثيرا عن مجال المعاملات الدينية الأمر الذي معه تتزايد باستمرار مجالات المعاملات القانونية وقواعدها.
المطلب الثاني : قواعد الأخلاق والمجاملات والتقليد
أولا : قـــواعــد الأخلاق
وهي قواعد سلوكية اجتماعية يحددها المجتمع وقد تتأثر الأخلاق بالدين وبالتقليد وبالمجاملات إلى حد كبير. وأحيانا قد تلتقي القواعد الأخلاقية بالقواعد القانونية، ومثل ذلك معاونة الغير في الدفاع عن نفسه وماله وهو جانب أخلاقي بالدرجة الأولى ومع ذلك تبناه المشرع وجعله قاعدة قانونية حيث أباح الضرب والجرح و القتل في سبيل حماية النفس، الغير و المال وذلك في المادة 39الفقرة الثانية من قانون العقوبات، ونصها هو:
'' لا جريمة :
- إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير، بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء.''
في موضوع آخر يوجب المشرع إغاثة الأشخاص ومساعدتهم إن أمكن ذلك : تنص المادة 182فقرة 2على ما يلي: '' ويعاقب ... كل من امتنع عمدا عن تقديم مساعدة إلى شخص في حالة خطر كان إمكانه تقديمها إليه بعمل مباشر منه أو بطلب الإغاثة له وذلك دون أن تكون هناك خطورة عليه أو على الغير.'' ( أنظر أيضا المادة 451 فقرة 8من قانون العقوبات...).
أما فيما يخص المجاملات والتقاليد الفرعية في المجتمع كتبادل التهاني في المناسبات السعيدة، ومبادلات شعور الحزن والتعزية في المناسبات المؤلمة، وتبادل التحية عند اللقاء، وغير ذلك من العادات المستقرة في ذهن الجماعة. فهذه القواعد الاجتماعية لم يهتم القانون بها، فمجالها يختلف عن مجال قواعد القانونية فلا يلتقيان.