1- تعريف مقابل الوفاء :
مقابل الوفاء هو الدين النقدي الذي هو للساحب في ذمة المسحوب عليه، و يكون مستحق الأداء في ميعاد استحقاق السفتجة و يكون مساويا على الأقل لقيمتها ، فلو باع الساحب بضاعة للمسحوب عليه فان ثمن البضاعة هو مقابل الوفاء بالسفتجة التي يحررها على المسحوب عليه، كذلك لو اقرض الساحب المسحوب عليه فان مبلغ القرض هو مقابل وفاء السفتجة . و الواقع أن مقابل الوفاء يستقل عن تحرير السفتجة إذ قد يوجد مقابل الوفاء قبل تحرير السفتجة أم بعده و قد ينعدم وجوده إطلاقا دون أن يخل ذلك بصحة السفتجة، فقد تسحب سفتجة دون مقابل وفاء كما قد تسحب السفتجة دون أن يكون في نية المسحوب عليه الوفاء بها و هي ما تسمى بسفتجة المجاملة .
ولقد أثار استقلال مقابل الوفاء عن تحرير السفتجة خلافا هاما بين النظرية الجرمانية و النظرية اللاتينية فبينما أغفلت النظرية الجرمانية مقابل الوفاء و لم تجعله احد الضمانات، أكدت النظرية اللاتينية على وجوده و اعتمدت فكرة انتقال ملكية مقابل الوفاء بين الحملة المتعاقبين و جعلته ملكا للحامل يكفل له الوفاء . و نظرا لهذه الخلافات تركت اتفاقية جونيف لسنة 1930 مسالة تنظيم مقابل الوفاء لرعاية كل دولة . و قد اعتنق المشرع الجزائري النظرية اللاتينية و نظم مقابل الوفاء في المادة 395 من ق ت .
2- أهمية وجود و إثبات وجود مقابل الوفاء :
تختلف أهمية وجود مقابل الوفاء بحسب اختلاف العلاقات بين أطراف السفتجة كما يلي:
- في العلاقة بين الساحب و المسحوب عليه :
إذا اثبت الساحب بأنه قدم مقابل الوفاء إلى المسحوب عليه جاز له مطالبته بقبول السفتجة و الوفاء بها وإذا رفض جاز للساحب الرجوع على المسحوب عليه بأصل الدين مع التعويض عن الضرر اللاحق به جراء رفضه الوفاء .
إذا لم يقدم الساحب مقابل الوفاء فللمسحوب عليه الحق في الامتناع عن القبول أو الوفاء دون أن يتحمل أية مسؤولية في مواجهة الساحب . إذا قبل المسحوب عليه السفتجة أو وفاها على المكشوف له هنا الرجوع على الساحب بما أوفاه .
إذا أثبت الساحب وجود مقابل الوفاء لدى المسحوب عليه له بذلك رد دعوى المسحوب عليه انه وفى على المكشوف .
- العلاقة بين الساحب و الحامل :
إذا اثبت الساحب وجود مقابل الوفاء لدى المسحوب عليه أمكنه ذلك من أن يتمسك في مواجهة الحامل بسقوط حقه في الرجوع عليه للإهمال لان مقابل الوفاء كان موجودا عند المسحوب عليه ولم يسعى في طلبه .
إذا لم يوجد مقابل الوفاء لدى المسحوب عليه للحامل الرجوع على الساحب حتى ولو أهمل الحامل اتخاذ إجراءات المطالبة بالوفاء
- العلاقة بين الحامل و المسحوب عليه :
إذا كان مقابل الوفاء موجودا لدى المسحوب عليه جاز له المطالبة باسترداده لأنه انتقل إليه بقوة القانون .
إذا لم يكن مقابل الوفاء موجودا ولم يقبلها المسحوب عليه فلا يمكن للحامل الرجوع على المسحوب عليه إنما له الرجوع على الساحب أو الموقعين السابقين .
3- شروط الواجب توفرها في مقابل الوفاء :
يشترط في مقابل الوفاء عدة شروط نصت عليها المادة 395 من ق ت كما يلي : "يكون مقابل الوفاء موجود عند استحقاق دفع السفتجة إذا كان المسحوب عليه مدينا للساحب أو لمن سحبت لحسابه بمبلغ يساوي على الأقل مبلغ السفتجة".
- أن يكون مقابل الوفاء دين نقدي :يجب أن يكون الحق الذي تمثله السفتجة مبلغا نقديا ولا عبرة بمصدره سواء كان مدنيا أو تجاريا أو مصدره بيع بضائع أو قرض أو أداء عمل . و يشترط في هذا الدين أن يكون محددا و محقق الوجود في ميعاد الاستحقاق و أن لا يكون معلق على شرط أو قيد و أن لا يكون متنازعا فيه و أن لا يكون قد نشأ في فترة الريبة و أن لا يكون محجوزا عليه .
- أن يكون الدين موجود في ميعاد استحقاق السفتجة : لم يستلزم المشرع وجود الدين الذي يمثل مقابل الوفاء قبل تاريخ الاستحقاق إذ لا عبرة بوجوده عند تاريخ إنشاء السفتجة ، إنما اشترط وجوده بتاريخ الاستحقاق بالذات حتى يفي به المسحوب عليه للحامل. فإذا زال دين الساحب في مواجهة المسحوب عليه قبل تاريخ الاستحقاق لأي سبب من أسباب الانقضاء ، اعتبر مقابل الوفاء غير موجود . و هذا الأمر هو الذي يفرق السفتجة عن الشيك الذي يشترط فيه أن يكون الدين الذي يمثل مقابل الوفاء موجودا عند الإنشاء و إلا اعتبر مصدره مرتكبا لجريمة إصدار شيك دون رصيد .
- أن يكون الدين مستحقا بتاريخ استحقاق السفتجة :لا يكفي وجود الدين لصالح الساحب في ذمة المسحوب عليه، بل يشترط أن يكون هذا الدين مستحق الدفع في ميعاد استحقاق السفتجة . وإذا كان مستحق الدفع بعد هذا التاريخ فلا يجوز إجبار المسحوب عليه على الوفاء قبل هذا التاريخ إلا إذا تنازل عن الأجل المتبقي .
- أن يكون الدين مساويا على الأقل لمبلغ السفتجة : يجب أن يكون الدين الموجود لدى المسحوب عليه كافيا للوفاء بقيمة السفتجة أي أن يكون مساويا على الأقل لمبلغها ، فلا يجوز أن يكون اقل منه كما لا يجوز أن يكون مثقلا بحقوق أو رهون تنقص من قيمته. و لقد أجاز المشرع الجزائري للمسحوب عليه إذا كان المبلغ اقل من مبلغ السفتجة ،أن يعتبر مقابل الوفاء غير موجود و يرفض الوفاء دون أن يتحمل أية مسؤولية عن الرفض .
غير انه أجاز له أيضا أن يقبل السفتجة قبولا جزئيا في حدود المبلغ الموجود عنده و يوفي به عند حلول تاريخ الاستحقاق حسب ما نصت عليه المادة 405/5 من ق ت ، أما المبلغ المتبقي فليس للحامل إلا تحرير احتجاج وممارسة حق الرجوع بخصوص هذا الجزء .
4- ملكية مقابل الوفاء : حسب المادة 395 من ق ت فان ملكية مقابل الوفاء تنتقل قانونا إلى حملة السفتجة المتعاقبين ، و عليه فان حق الساحب اتجاه المسحوب عليه ينتقل إلى الحامل منذ إنشاء السفتجة إلا أن هذا الحق لا يثبت له إلا في تاريخ الاستحقاق، أما قبل هذا التاريخ يكون للحامل فقط مجرد حق ملكية احتمالي لا يتأكد إلا بحلول تاريخ الاستحقاق و تبقى الملكية التامة للساحب ، إذ يجوز له أن يطالب باسترداده كما يجوز للمسحوب عليه أن يجري مقاصة . أما إذا حل اجل الاستحقاق أصبح حق الحامل على مقابل الوفاء بات بقوة القانون و يمنع على الساحب بعد ذلك استرداده أو التصرف فيه .
و تبرز أهمية تحديد وقت انتقال ملكية مقابل الوفاء ، في حالة إفلاس الساحب ومدى إمكانية حجز دائني الساحب على مقابل الوفاء الموجود عند المسحوب عليه باعتبار هذا الدين ملك لمدينهم أم ملك للحامل .
أن كان الأصل أن ملكية الحامل لمقابل الوفاء تتأكد عند حلول تاريخ الاستحقاق ، إلا أن هناك حالات استثنائية يتأكد حق الحامل في ملكية مقابل الوفاء قبل هذا التاريخ وذلك في الحالات التالية :
- حالة قبول المسحوب عليه للسفتجة: إذا قبل المسحوب عليه السفتجة قبل تاريخ الاستحقاق، فان حق الحامل على مقابل الوفاء يتأكد بصفة نهائية منذ هذا التاريخ ، و يمنع بعد ذلك على الساحب استرداده أو التصرف فيه و يمنع على دائنيه الحجز عليه في حالة إفلاسه ، كما لا يمكن للمسحوب عليه أن يتمسك في مواجهة الساحب بالمقاصة .
- حالة إخطار المسحوب عليه : إذا اخطر الحامل المسحوب عليه بالاحتفاظ بمقابل الوفاء حتى تاريخ الاستحقاق ألزم هذا الأخير بذلك و امتنع عليه أن يرجع مقابل الوفاء إلى الساحب و لا كان مسؤولا عن ذلك أمام الحامل .
- حالة تخصيص مقابل الوفاء : إذا اتفق الساحب و الحامل على تخصيص دين معين للساحب في ذمة المسحوب عليه للوفاء بقيمة السفتجة لمصلحة الحامل ورضي المسحوب عليه بهذا التخصيص ، تأكد حق الحامل على مقابل الوفاء و ألزم المسحوب عليه بتجميده لصالح الحامل .و التخصيص قد يرد على متن السفتجة أو ورقة ملحقة بها .
5- آثار تملك مقابل الوفاء :
يترتب عن انتقال ملكية مقابل الوفاء قانونا إلى حملة السفتجة المتعاقبين الآثار التالية :
- امتناع الحامل عن التصرف في مقابل الوفاء أو رده إلى الساحب و إلا ألزمه ذلك التعويض للحامل ، كما يمنع على الساحب استرداده أو التصرف فيه .
- انتقال مقابل الوفاء بضماناته مثل التأمينات الشخصية أو العينية .
- يمنع على دائني الساحب الحجز على مقابل الوفاء هذا لان مدينهم الساحب لم يعد مالكا له .
- ينشا للحامل الحق في رفع دعوى ملكية مقابل الوفاء على المسحوب عليه إذا امتنع عن رده إلى الحامل عند حلول تاريخ الاستحقاق .
- عدم تأثر حق الحامل بموت الساحب أو إفلاسه أو حصول خلل بأهليته .
6- سفاتج المجاملة :
هي سندات صحيحة من الناحية الشكلية يقصد بها الحصول على ائتمان وهمي دون توجد لدى الموقعين عليها نية الالتزام بدفع قيمتها .
و تتميز هذه السندات بأنها :
- لا تستند إلى علاقات قانونية بين أطرافها لان المسحوب عليه ليس مدين بالمبلغ للساحب.
- لا تتوفر لدي أطرافها نية الوفاء بقيمتها عند حلول تاريخ الاستحقاق لان المسحوب عليه يوقع عليها بالقبول فقط للحصول على الائتمان مجاملة من الساحب دون أن تكون له نية الوفاء بها .
- تتضمن تواطؤ بين أطرافها .
و تأخذ سفاتج المجاملة عدة صور منها :
- أن يقوم شخص معسر بسحب السفتجة على زميل له دون أن يتلقى هذا الأخير مقابل الوفاء اذن فالمجامل هنا هو المسحوب عليه .
- أن يكون المعسر في مركز المسحوب عليه إذ يطلب من زميل له أن يسحب سفتجة عليه فالمجامل هنا يأخذ مركز الساحب .
- أن يكون المعسر في مركز المستفيد بان يتفق مع الساحب و المسحوب عليه بان تسحب السفتجة من الساحب على المسحوب عليه ويكون هو المستفيد منها فالمجاملين هنا هم الساحب و المسحوب عليه .
و لقد استقر الفقه و القضاء على بطلان هذا النوع من الأوراق التجارية و ذلك لكونها استندت إلى سبب غير مشروع في إنشائها و هو الحصول على ائتمان وهمي و هو أمر مخالف للنظام العام و الآداب العامة .
و يترتب عن بطلان هذا النوع من السندات آثار سواء بالنسبة إلى الحامل أو بالنسبة إلى باقي الإطراف كما يلي :
- بالنسبة إلى الحامل فإذا كان حسن النية فهنا لا اثر للبطلان في مواجهته ، و له الحق في مطالبة كافة الموقعين عليها شأنها شأن السند الصحيح تطبيقا لمبدأ تطهير الدفوع . و يعد هنا الحامل حسن النية إذا كان يجهل المجاملة وظروف إنشاء السفتجة وقت انتقالها إليه . أما إذا كان الحامل سيئ النية و هم من يعلم وقت انتقال السفتجة إليه بأنها سند مجاملة ، فيمكن لأي شخص أن يتمسك ببطلان السند في مواجهته لكونه سند مجاملة .
- بالنسبة لباقي الموقعين أي الساحب و المسحوب عليه و المستفيد ، هنا لا شك في بطلان الاتفاق السابق على إنشاءها لعدم مشروعية السبب، و عليه لا يمكن لأحد منهم الرجوع على الآخر و إذا رجع احدهم على الأخر يمكن له التمسك بالبطلان . إلا أن القضاء أصبح يعطي الحق للمسحوب عليه إذا وفى بالسفتجة حق الرجوع على الساحب بدعوى الإثراء بلا سبب .