حدود سلطة الضبط الإداري الفرنسي
لم يعترف مجلس الدولة الفرنسي للإدارة العامة بسلطات بلا حدود أثناء استخدامها لأساليب الضبط الإداري، ولذلك وضع العديد من الضوابط التي تحد وتضيق من سلطاتها في هذا الشأن:
(1) وأول ما يلاحظ في هذا الشأن التفرقة التي أستقر عليها القضاء الإداري الفرنسي بين ما يعتبر حرية عامة حقيقية يحميها ويكفل ممارستها المشرع، وبين ما يعتبر مجرد رخصة متروكة للأفراد بتسامح من الإدارة.
ولقد اتضحت هذه التفرقة بمناسبة المواكب الدينية التي تتم في الطرق العامة. فإذا كان الموكب الديني تقليدياً أستقر منذ وقت طويل، فإن مجلس الدولة ينظر إليه باعتباره مظهراً من مظاهر التمتع بإحدى الحريات العامة، ألا وهي حرية ممارسة الشعائر الدينية.
لكن لو كان الموكب الديني غير تقليدي ومستحدث أي حديث العهد، فلا يرى فيه المجلس مظهراً لحرية عامة، وإنما الأمر يتصل بمجرد رخصة يتمتع بها الأفراد.
وعلى ذلك، إذا أرادت الإدارة المتمثلة في رئيس المجلس البلدي تنظيم كلا الأمرين بإجراءات الضبط الإداري، فإن سلطتها تختلف إزاء كل منهما أي إزاء كل موكب تقليدي أو مستحدث.
ففي الحالة الأولى يقر مجلس الدولة أن الإدارة لا تستطيع منع الموكب إلا إذا كان ثمة تهديد بوقوع اضطرابات جدية ومحددة المعالم، أما في الحالة الثانية، فإن الإدارة تستطيع أن تصدر أمراً يمنع الموكب بكل بساطة متذرعة في ذلك بازدحام الطريق العام.
وفي داخل الحريات العامة نفسها، يجري مجلس الدولة تفرقة – بينها أساسها- التنظيم التشريعي الصادر عن البرلمان.
فبالنسبة للحريات العامة الأخرى، فإن المشرع قد كفلها بشكل قوي وفعال، ومنها على سبيل المثال حرية الاجتماع أي عقد اجتماع عام.
بل إن مجلس الدولة الفرنسي ذهب في حمايته للحريات العامة إلى الحد الذي جعله يقيم قرينة قضائية لصالح الأفراد ضد الإدارة.
فمجلس الدولة الفرنسي يقرر مثلاً أن المواكب الدينية التقليدية والجنازات يفترض فيها أنها لا تعكر السكينة العامة، ومن ثم ليس على الأفراد أن يثبتوا شيئاً حيث أن عبء إثبات العكس أنتقل ووضع على عاتق الإدارة مباشرة، وهذا المسلك، أي نقل عبء الإثبات على عاتق الإدارة، يعد تيسيراً هاماً للأفراد في مجال دعوى الإلغاء.
أما الضوابط الثانية التي وضعها مجلس الدولة الفرنسي على سلطة الضبط الإداري يكمن في أن أسلوب المنع أو الحظر المطلق للنشاط الفردي غير جائز حيث أن هذا الأسلوب يعني، بداهة، إلغاء الحرية ذاتها، في حين أن سلطة الضبط الإداري تختص بتنظيم هذه الحرية وليس بمصادرتها.
كما أن وجود خطر يسير على النظام العام لا يبرر تكبيل الحريات العامة بقيود خطيرة.