القرار الإداري الفردي و القرار الاداري النوعي
أولاً: القرارات الفردية
يقابل الفقه المصري يبن القرار اللائحي، من ناحية، والقرار الفردي من ناحية أخرى، وهو ما يعني أن كل قرار لا يضع قواعد مجردة يعتبر قراراً فردياً، بعبارة أخرى، إن الفقه يقيم معادلة مقتضاها أن كل قرار غير لائحي هو قرار فردي.
والحقيقة أن هذا النظر لم ينشأ من فراغ، فهو يستند إلى قضاء المحكمة الإدارية العليا التي لا تعترف، أو لا تعرف – من الناحية الموضوعية – سوى نوعين من القرارات : اللائحة والقرار الفردي.
ونحن نعتقد أن كل قرار غير لائحي لا يعني أنه قرار فردي، فهناك أنواع أخرى من القرارات غير اللائحية يجب تمييزها عن القرار الفردي.. إلا أننا نعترف مع التعريف الذي أعطته المحكمة الإدارية العليا للقرار الفردي بوصفه الإجراء " الذي سينشئ مركزاً قانونياً خاصاً لفرد معين " متفقين مع جمهور الفقه.
فالقرار الفردي هو، أولاً وقبل كل شيء، ذلك الإجراء الذي يمس شخصاً معيناً بذاته وباسمه، لا بصفته ووظيفته، أي أن هذا القرار يخاطب شخصاً معروفاً باسمه وبذاته، وقد يكون هذا الشخص فرداً، كالقرار الصادر بالتصريح لمالك قطعة أرض بالبناء فوقها، والقرار الصادر بالإذن لأحد الأجانب بالإقامة داخل البلاد أو بإبعاده، والقرار الصادر بهدم منزل آيل إلى السقوط.
وقد يكون الشخص، المخاطب بالقرار، عاملاً بالدولة، كالقرار الصادر بتعيين موظف عام، أو القرار الصادر بتوقيع جزاء عليه، عقوبةً له على خطأ اقترفه.
وقد يكون الشخص، المخاطب بالقرار، شخصاً من أشخاص القانون العام، وذلك كالقرار الصادر بالتصريح لمؤسسة الكهرباء ببناء محطة لإنتاج الكهرباء النووية، أو القرار الصادر لهيئة عامة بالتصريح باستيراد ما يلزم لنشاطها من معدات وآلات منتجة في الخارج (مصنعة في الخارج).
ومع ذلك، فمن الممكن أن يتعلق الإجراء بأفراد كثيرين ويبقى بالرغم من ذلك- قراراً فردياً، إلا أن هذه الحالة تخضع لشرطين:
الشرط الأول : أن يعين الإجراء هؤلاء الأفراد بأسمائهم وذواتهم
الشرط الثاني : انعدام أية علاقة ترابط بين مراكزهم المختلفة بمعنى أن مركز كل فرد مستقل تماماً عن مركز غيره ممن يعنيهم الأمر، ومن الأمثلة على ذلك :
• القرار الصادر برفض ألتماس موقع عليه من عدة أشخاص، فالإجراء الصادر، في هذه الحالة، إن هو إلا تجميع لعدة قرارات فردية مستقل كل منها عن الأخر، ولا يؤثر أي منها في الآخر، بعبارة أخرى، لنا أن نتصور أننا إزاء عدة قرارات فردية صادرة برفض عدة التماسات من عدة أشخاص.
• كما أنه يعتبر قراراً فردياً الإجراء الصادر بتعيين أعضاء مجلس إدارة هيئة عامة فهذا القرار إن هو إلا تجميع لعدة قرارات فردية صادرة بتعيين أعضاء مجلس إدارة الشخص العام، وكل منها مستقل عن الأخر، ولا يوجد بينها أي نوع من الترابط.
وهكذا، يمكن القول بأن القرار الفردي هو ذلك القرار الذي يخاطب شخصاً معيناً بذاته وباسمه، أو أشخاصاً معنيين بدواتهم وأسمائهم، شريطة ألا يكون بين مراكزهم القانونية أي نوع من الترابط بالمعنى السابق.
ثانياً: القرارات النوعية
القرارات النوعية هي تلك القرارات التي تتعلق بحالة معينة محددة بذاتها، وينتهي أثرها بانتهاء هذه الحالة، إلا أنها تمس عدداً غير محدد من الأفراد، وبهذه الخاصية تتشابه القرارات النوعية مع اللوائح، إذ أن هذه اللوائح تمس أشخاصاً غير معينين بدواتهم وأسمائهم، ولكنها تختلف عن اللوائح من حيث أنها- أي القرارات النوعية- لا تضع قاعدة عامة ومجردة، فهي مجرد تطبيق، فقط، لقاعدة عامة ومجردة موجودة عند إصدارها، بعكس اللوائح التي تضع هذا النوع من القواعد، تحتاج، لكي توضع موضع التنفيذ، إلى صدور إجراءات تنفيذية لها.
ويعطي القضاء الإداري الفرنسي الكثير من الأمثلة لهذا النوع من القرارات غير اللائحية، فالقرار الصادر بإعلان المنفعة العامة لمشروع معين ، هو قرار نوعي، ذلك إنه، يتعلق بمشروع معين معروف بذاته ومحدد تحديداً دقيقاً، ولكنه ذو أثر عام ومجرد، لأن من شأنه أن يحول إلى الدولة ملكية كمية غير محددة من الأموال التي يمتلكها أشخاص غير محددين أيضاً، وإن كان في نفس الوقت لا يتضمن أية قاعدة ذات طابع هام.
ومن القرارات النوعية، أيضاً ذلك الإجراء الذي يلزم مُلاك المنازل المطلة على ممر مائي بتطهير هذا الممر على حسابهم، فالقرار هنا، أيضاً، متعلق بعملية معينة محددة بذاتها، ولكنه ينطبق على أناس غير محددين بأسمائهم وبذواتهم ولكن بصفتهم كملاك للمنازل التي تطل على الممر المائي المراد تطهيره.
وأيضاً مثال أخر .. على القرارات الصادرة بتفريق مظاهرة ، أو بفض اجتماع عام، أو بمنعه ، أو بإلزام سكان مدينة ما بكسح الثلوج أي إزالة الثلوج التي تتراكم على مداخل مدينتهم أثناء ليل الشتاء، فهذه القرارات تعتبر جميعها قرارات نوعية وذلك لأنها أولاً تتعلق بحالة معينة بالتحديد: مظاهرة – اجتماع عام- كسح الثلوج أي إزالة الثلوج من أمام مداخل المدينة، ولأنها ثانياً تخاطب أفراداً غير معينين بأسمائهم وبذواتهم وإنما بصفاتهم فقط ، ولأنها أخيراً هذه القرارات لا تتضمن أية قواعد عامة مجردة.
على إننا يجب أن نقرر – للحقيقة – أن القرارات النوعية، باعتبارها قرارات غير لائحية، طائفة غير معروفة في القانون المصري. والفقه المصري يعتبرها قرارات فردية، فالدكتور سليمان الطماوي مثلاً يقرر أن الأوامر الصادرة من أحد رجال البوليس (الشرطة) إلى الجمهور بعدم التظاهر، أو بعد الاقتراب من مكان موبوء أو خطر، هو قرارات فردية، لأنها تستنفذ موضوعها بمجرد تنفيذها.
والدكتور محمد فؤاد مهنا يؤكد – من جانبه – أن القرارات الصادرة بتفريق مظاهرة، أو بفض اجتماع، أو بمنعه، أو بإلزام سكان مدينة معينة بالقيام بعمل ما لدفع خطر محدق بالمدينة تعتبر كلها قرارات فردية، إذ إنها – وإن خاطب كل منها أفراداً غير معينين بأسمائهم وبذواتهم، إلا أن كل قرار يتعلق بحالة معينة ينقضي أثره بانقضائها، بعبارة أخرى، إن الأمر الصادر بتفريق مظاهرة – أو بفض اجتماع معين – لا ينطبق إلا على هذه المظاهرة أو ذلك الاجتماع، فإذا تفرق المتظاهرون، أو أنفض المجتمعون تنفيذاً لهذه الأوامر، ثم عادوا ونظموا مظاهرة أخرى ، أو عقدوا اجتماعاً أخر، فإن الأمر المتعلق بالمظاهرة – الأولى أو بالإجتماع الأول – لا ينطبق على المظاهرة الثانية ، أو الاجتماع الثاني.
ولعل هذا الرأي يجد سنداً له من قضاء المحكمة الإدارية العليا، فهذه المحكمة الإدارية العليا تقرر خلافاً لما ذهب إليه مجلس الدولة الفرنسي – أن القرار الصادر بتقرير المنفعة العامة لمشروع معين بما يصاحبه ويترتب عليه من نزع ملكية الأفراد المالكين أو الحائزين " هو أقرب إلى القرارات الفردية لأنه يمس المركز القانوني الذاتي لكل مالك أو حائز لجزء من العقار الذي ينزع ملكيته كما يمس أيضاً المراكز القانونية الذاتية لمن ترد أسمائهم بالكشف المرافق للقرار من الملاك الحقيقيين الذي يكون لهم بعد الإطلاع على الكشف المذكور الحق في إبداء اعتراضهم إلى الجهة التي عينها القانون.
ونحن من جانبنا لا نعتقد في صواب الاستدلال الذي قامت عليه المحكمة الإدارية العليا في قضائها السابق، إذ أن القرار الصادر بتقرير المنفعة العامة لمشروع معين يرتب – ولا جدال في ذلك – آثاراً عامة ومجردة بالنسبة لمن تنزع ملكيتهم فيما بعد، فهو لا يذكرهم بالاسم، وإنما يتم تحديدهم وبذواتهم – فيما بعد – عندما تتخذ الإجراءات التنفيذية للقرار الصادر بتقرير المنفعة العامة للمشروع.
ومن ناحية أخرى، نرى تناقضاً في وجهة نظر الفقه المصري، حينما يعترف للقرار الصادر بفض مظاهرة، مثلاً، بالصفة الفردية، ويقرر في – نفس الوقت – أن هذا القرار بمس أشخاصاً معينين بصفاتهم لا بأسمائهم وذواتهم، فكون القرار يعين من يخاطبه بصفته يمحو عنه صفة القرار " الفردي "، ويقربه من القرار اللائحي، ولكن لكون القرار محل البحث لا يتضمن قاعدة عامة ومجرة، ويتعلق فقط بحالة معينة ومحددة ، فإنه يبتعد عن القرار اللائحي – ومن هنا جاء تكييفه " بالقرار النوعي"
خلاصة القول، إن القرار غير اللائحي ليس هو القرار الفردي، فالقرار الفردي إنما هو طائفة من القرارات غير اللائحية وتوجد طائفتين أخريين إلى جوارها هما :القرارات الجماعية ، والقرارات النوعية