الملوك الأربعة الذين حكموا الأرض:
قد علم كثير منا أنه لم يستطع حكم الأرض منذ خلقها إلى يومنا هذا إلا أربعة فقط لا غيرهم، و قد شاءت إرادة الله - عز و جل - أن يكون اثنين من هؤلاء الحكام مسلمين و آخران كافران، فأما الكافران فهما: بختنصر والنمرود
وأما المسلمان فهما: سليمان - عليه السلام - وذو القرنين }
لا شك في أن أعظمهم حكماً على الإطلاق كان سليمان عليه السلام.
أولا: المسلمان اللذان حكما العالم
1/ذو القرنيـن:
اسم عظيم من حكام الأرض وسمي بهذا الاسم لإعجاب الناس به وتحيةً لهمته العالية وشهامته وشجاعته، ولرؤيا رآها في منامه، وقد نشأ ذو القرنين في أمة مستعبدة ضعيفة سيطرت عليها دولة مجاورة و أجبرتها على دفع الجزية، فلما رأى ذو القرنين حال أمته بدأ يدعوهم إلى الاهتمام بعزته وكرامتهم والتوحد حوله وتأييده في التخلص من هذا الظلم فردوه قومه و منعوه من الكلام بهذا حتى لا يسمعه الملك فيعاقبهم ولكن ذو القرنين لم ييأس وأصر أن يفعل شيئاً لقومه وقد كان من صفاته العقيدة الصادقة و الإيمان الراسخ والحكمة وكان قوي البدن مفتول الذراعين فبدأ يدعو قومه إلى الإيمان بالله و ظل يدعوهم لكنه لم يجد إلا السخرية منه ونفروا منه فأقبل ذو القرنين إلى الشباب ودعاهم فاستجابوا له وأحبوه وآمنوا بدعوته وزادت شهرته حتى أصبح الذين آمنوا بدعوته أكبر ممن كفر بها.
و رأى ذو القرنين في منامه رؤيا عجيبة وهي (أنه صعد إلى الشمس واقتربت منه حتى أمسك قرنيها بيده)، فقصّ هذه الرؤيا على أصحابه الذين فسروها قائلين له بأنه سوف يصبح ملكاً ذا جيش كبير وسيملك الدنيا من المشرق إلى المغرب، فبدأ الجهلة من قوم ذو القرنين يستهزءون به وفسروا الرؤية على أن الملك الظالم سوف يضرب ذو القرنين على قرني، رأسه أو أنه سيقتله ويعلقه من قرني شعره، ولهذه الرؤيا سمي ذو القرنين بهذا الإسم، وبعد ازدياد عدد أنصار ذي القرنين أصبح ملكاً على البلاد وأطاعوه على السمع و الطاعة ومحاربة عدوهم حتى يرجع لهم حقهم وكانت بلاده تدفع للملك الظالم ضريبة وهي عدة بيضات من الذهب الخالص فلما جاء وقت الدفع لم يدفع ذو القرنين شيئاً و طرد الرجال الذين يأخذون الضريبة وأرسل للملك الظالم رسالة يستهزء فيها: (إني قد ذبحت الدجاجة التي تبيض الذهب وأكلت لحمها فليس لك شيء عندي)، فعرف الملك عن ذي القرنين بأنه شاب صغير السن فأرسل له ساخراً به، (أرسلت لك كرة وسوطاً وكمية من السمسم فالكرة والسوط لتلعب بهما فإنك صغير تحب اللعب وابتعد عن الغرور فلو كان جنودك بعدد حبات السمسم لأتيت بك)، فرد عليه ذو القرنين: (سأنتصر عليك ولو كان جنودك بعدد حبات السمن). وذهب ذو القرنين بأنصاره إلى الملك الظالم فألقى الله الرعب في قلوب سكان بلدة الملك فذهبوا إلى ملكهم و طلبوا منه أن يتصالح مع ذي القرنين فغضب الملك من هذا الكلام وخرج بجيشه لملاقاة ذي القرنين الذي تمكن من هزيمته وقتل الملك الظالم وأصبح هو الحاكم على البلد المجاورة فنشر فيها العدل والاستقرار والأمن والأمان وأفرح أهلها، وبعد هذا النصر عزم ذو القرنين على إعلاء كلمة الحق في كل مكان من الأرض وقد مكن الله له في الأرض و أعطاه الإمكانيات الهائلة فسار إلى المغرب حتى وجد نفسه في سهول فسيحة ليس لها نهاية ذات أرض طينية سوداء فرأى منظر غروب الشمس حتى خيل له أنها تغوص في تلك الأرض الطينية فوجد عند هذا المكان قوماً كافرين فانتصر عليهم، فلم يقتلهم و يأسرهم بل نصحهم وأصلح شأنهم وبنى في تلك البلاد المساجد وآمن أهل هذه البلدة ثم اتجه ذو القرنين إلى المشرق وكان كلما مر على قوم دعاهم للإيمان بالله فإن آمنوا أكرمهم وإن كفروا عذبهم بشدة وسار ذو القرنين حتى وصل إلى بلاد نهايتها المحيط فأصبح يمشي في سهول الصين فوجد فيها أودية خصبة ومناطق واسعة و هضاب وعرة و ظل يمشي حتى وصل إلى فتحة واسعة و عريضة بين جبلين عاليين ووجد وراء الجبلين أمة صالحة يعبدون الله ولكنهم لا يعرفون كلام أي من البشر لأنهم منعزلون خلف الجبل وسبب عزلهم خلف الجبل أنه من هذه الفتحة بين الجبلين كانت تأتي قبيلتين متوحشتين هما يأجوج ومأجوج وكانوا يأكلون كل شيء و كانوا يعتدوا على الأمة الصالحة فطلبوا المساعدة من ذي القرنين بعد أن رأوا جيشه القوي وصلاحه فذهبوا إلى ذي القرنين وأعلنوا إسلامهم وذكروا له خطورة يأجوج ومأجوج وأنهم يتكاثرون بسرعة وسيفسدون الأرض وعرضوا على ذي القرنين الأجر فرفض ذلك وطلب منهم أن يعينوه على بناء السد وأمر ذو القرنين القوم أن يجمعوا الحديد وأمر المهندسين فقاسوا المسافة بين الجبلين وارتفاعهما وأمر العمال فحفروا أساساً في الأرض ووضع قطعاً من الحديد بين الجبلين وجعل بين كل طبقتين من الحديد طبقة من الفحم ومازال يرفع الحديد العريض حتى سد بين الجبلين وأشعلوا النار في الفحم حتى تحولت قطع الحديد إلى نار سائلة و صب النحاس على الحديد المصهور فملاً الشقوق وتحول السد إلى سد عظيم عالي لا يمكن النفاذ منه حتى من قبيلتي يأجوج ومأجوج ولما رأى ذو القرنين حمد الله و شكره وقال: هذا رحمة من ربي.
2/سليمان عليه السلام:
لم تأتي الأرض بملك مثله عليه السلام ولن تأتي حيث أن الله تعالى قد سخر لسليمان كل شيء، فقد سخر له الجن والإنس و علمه الله لغة الحيوانات وأخضع له الوحوش وجعل الرياح تحت أمره كل هذا من ملك سليمان عليه السلام، وسليمان هو ابن داوود - عليهما السلام - قال تعالى: {وورث سليمان داوود }وقد قال صلى الله عليه و سلم: { نحن معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه فهو صدقة}، أو كما قال صلى الله عليه وسلم نفهم من هذا أن سليمان لم يرث الملك من أبيه إنما ورث النبوة أي أصبح نبياً بعده و سأل سليمان عليه السلام ربه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فوهبه الله ذلك.
فقد كان يكلم الطير ويفهم لغتهم ولم يكن داوود سوى فاهماً للغة الطير لكن لم يكن يستطيع الكلام معهم أما سليمان فقد زاد على أبيه بقدرته على الكلام مع الطيور وليس هذا فقط بل كان قادراً على فهم لغة النمل و سماع كلامهم ولا نتوقف هنا بل نستمر إلى الرياح حيث كان سليمان يتحكم في الريح بإذن الله ويستطيع أن يركبها مع جنوده وأيضاً سخر الله لسليمان الجن والشياطين فقد أعطاه القدرة على تشغيل الجن وتعذيبهم إن عصوا أمره بل وأعطاه القدرة على ربطهم بالسلاسل وكانت الشياطين تبني له القصور والمحاريب وتستخرج له اللؤلؤ من قاع البحر و من يعصي أمره كان يربطه و يقيده في السلاسل .
كل هذا جزء صغير من ملك سليمان عليه السلام قصة سليمان مع الخيول كان سليمان – عليه السلام - كثير الذكر لله و دائم في ذكره و كان حريصاً على الصلاة في وقتها و لكنها فاتته مرة واحدة و هذه قصة فوات هذه الصلاة أن سليمان كان مشغولاً بالإعداد للحرب فأخذ يستعرض الخيل و كان محباً للخيل ثم تنبه بفوات الصلاة فصلى و أمر أن يردوا له الخيل و هنا تأتي روايتان الأولى تقول أنه قتلها كلها و الثانية وهي الصحيحة أنه فقط مسح على أعناقها.